كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لنا صوابه في حديث «بل للأبد» وحديث الخصوصية بذلك الركب المذكورين: هو ما اختاره العلامة الشيخ تقي الدين أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: وهو الجمع المذكور بين الأحاديث بحمل الخصوصية المذكورة على الوجوب والتحتم، وحمل التأبيد المذكور على المشروعية والجواز أو السنة، ولا شك أن هذا هو مقتضى الصناعة الأصولية والمصطلحية، كما لا يخفى.
واعلم: أن الشافعية والمالكية، ومن وافقهم يقولون: إن قوله صلى الله عليه وسلم: «بل للأبد» لا يراد به فسخ الحج في العمرة، بل يراد به جواز العمرة في أشهر الحج، وقال بعضهم: المراد به دخول أفعالها في أفعال الحج في حالة القران.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: هذا المعنى الذي حملت عليه المالكية، والشافعية قول النَّبي لسراقة «بل للأبد» ليس هو معناه، بل معناه: بقاء مشروعية فسخ الحج في العمرة، وبعض روايات الحديث ظاهرة في ذلك ظهورًا بينًا لا يجوز العدول عنه، إلا بدليل يجب الرجوع إليه، بل صريح في ذلك.
وسنمثل هنا لبعض تلك الروايات فنقول: ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ما لفظه: فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل، وليجعلها عمرة» فقال سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل لأبد أبد» انتهى المراد منه. وهو صريح في أن سؤال سراقة عن الفسخ المذكور، وجواب النَّبي له: يدل على تأييد مشروعيته كما ترى، لأن الجواب مطابق للسؤال، فقول المالكية، والشافعية، ومن وافقهم: بأن الفسخ ممنوع لغير أهل حجة الوداع، لا يستقيم مع هذا الحديث الصحيح المصرح، بخلافه كما ترى.
ودعواهم أن المراد بقوله: «بل لأبد أبد» جواز العمرة في أشهر الحج، أو اندراج أعمالها فيه في حال القران بعيد من ظاهر اللفظ المذكور كما ترى، وأبعد من ذلك دعوى من ادعى أن المعنى: أن العمرة اندرجت في الحج: أي اندرج وجوبها في وجوبه، فلا تجب العمرة: وإنما تجب على المكلف حجة الإسلام دون العمرة، وبعد هذا القول وظهور سقوطه كما ترى.
والصواب إن شاء الله: هو ما ذكرنا من الجمع بين الأدلة، ووجهه ظاهر لا إشكال فيه.
وقال النووي في شرح المهذب في الجواب عن قول الإمام أحمد: أين يقع الحرث بن بلال من أحد عشر صحابينًا رووا الفسخ عنه صلى الله عليه وسلم ما نصه قلت: لا معارضة بينهم، وبينه، حتى يقدموا عليه، لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة، ولم يذكروا حكم غيرهم، وقد وافقهم الحارث في إثبات الفسخ للصحابة، ولَكِنه زاد زيادة لا تخالفهم وهي اختصاص الفسخ بهم. اهـ.
وإذا عرفت مما ذكرنا أدلة الذين ذهبوا إلى تفضيل الإفراد على غيره من أنواع النسك، وعلمت أن جوابهم عن أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج في العمرة، أنه لإزالة ما كان في نفوسهم من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، وأن الفعل المفعول لبيان الجواز، قد يكون أفضل بذلك الاعتبار من غيره، وإن كان غيره أفضل منه بالنظر إلى ذاته.
فاعلم أنهم ادعوا الجمع بين الأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا والأحاديث الصحيحة المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا وكلها ثابتة في الصحيحين، وغيرهما في حجة الوداع مع الأحاديث المصرحة، بأنه كان مفردًا التي هي معتمدهم في تفضيل الإفراد بأنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولًا مفردًا، ثم بعد ذلك أدخل العمرة على الحج، فصار قارنًا، فأحاديث الإفراد يراد بها عندهم، أنه هو الذي أحرم به أول إحرامه، وأحاديث القران عندهم حق، إلا أنه عندهم أدخل العمرة على الحج فصار قارنًا وصيرورته قارنًا في آخر الأمر هي معنى أحاديث القران، فلا منافاة. أما الأحاديث الدالة على أنه كان متمتعًا، فلا إشكال فيها، لأن السلف يطلقون اسم التمتع على القران من حيث إن فيه عمرة في أشهر الحج من الحج، وكذلك أمره لأصحابه بالتمتع وتمنيه له، وتأسفه على فواته بسبب سوق الهدي في قوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي وجعلتها عمرة» كفعله له قالوا: وبهذا تتفق الأحاديث، ويكون التمتع المذكور بفسخ الحج في العمرة لبيان الجواز، وهو بهذا الاعتبار أفضل من غيره فلا ينافي أن الإفراد أفضل منه بالنظر إلى ذاته، كما سار عليه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، قالوا: ولما أمرهم النَّبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج في العمرة أسفوا، لأنهم أحلوا وهو باقٍ على إحرامه، فأدخل العمرة على الحج لتطيب نفوسهم، بأنه صار معتمرًا مع حجه لما أمرهم بالعمرة والمانع له من أن يحل كما أحلوا هو سوق الهدي، قالوا فعمرتهم لبيان الجواز، وعمرته التي بها صار قارنًا لمواساتهم لما شق عليهم أنه خالفهم، فصار تمتعهم وقرأنه بهذا الاعتبار أولى من غيرهما، ولا يلزم من ذلك أفضليتهما في كل الأحوال، بعد زوال الموجب الحامل على ذلك.
قالوا: وهذا هو الذي لاحظه الخلفاء الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم، فواظبوا على الإفراد نحو أربع وعشرين سنة، كلهم يأخذ بسنة الخليفة الذي قبله في ذلك.
قالوا: وما قاله جماعة من أجلاَّء العلماء، من أن بيان جواز العمرة في أشهر الحج عام حجة الوداع لا داعي له، لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك بيانًا متكررًا في سنين متعددة: وذلك لأنه اعتمر عمرة الحديبية عام ست، وعمرة القضاء عام سبع، وعمرة الجعرانة عام ثمان وكل هذه العمر الثلاث في ذي القعدة من أشهر بالحج.
قالوا: وهذا البيان المتكرر سنة بعد سنة كافٍ غاية الكفاية، فلا حاجة إلى بيان ذلك بأمر الصحابة بفسخ الحج في العمرة. وكذلك قوله «ومن شاء أن يهل بعمرة فليهل» المتقدم في حديث عائشة.
وإذا كان بيان ذلك لا حاجة إليه تعين أن الأمر بالفسخ المذكور لأفضلية التمتع على غيره لا بشيء آخر. لا شك في أنه ليس بصحيح، وأن بيان ذلك محتاج إليه غاية الاحتياج في حجة الوداع، ولشدة الاحتياج إلى ذلك البيان أمرهم صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج في العمرة، والدليل على ذلك: هو ما ثبت في حديث ابن عباس المتفق عليه، وقد ذكرناه في أول هذا المبحث.
قال: كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض الحديث. وفيه: فقدم النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال «الحل كله» وفي البخاري قال «حله كله» فقول ابن عباس في هذا الحديث الصحيح: فتعاظم ذلك عندهم، دليل على أنه في ذلك الوقت، لم يزل عظيمًا عندهم. ولو كانت العمر الثلاث المذكورة أزالت من نفوسهم ذلك إزالة كلية، لما تعاظم الأمر عندهم، فتعاظم ذلك الأمر عندهم المصرح به في حديث متفق عليه بعد صبح رابعة من ذي الحجة عام عشر، دليل على أن العمرة عام ست، وعام سبع، وعام ثمان ما أزالت ما كان في نفوسهم لشدة استحكامه فيها. وكذلك: إذنه لمن شاء أن يهل بعمرة السابق في حديث عائشة. والنَّبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، مودع حريص على إتمام البيان، وحجة الوداع اجتمع فيها جمع من المسلمين، لم يجتمع مثله في موطن من المواطن في حياته صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث المذكور: فتعاظم عندهم: أي لما كانوا يعتقدونه أولًا، وفي رواية إبراهيم بن الحجاج: فكبر ذلك عندهم انتهى منه.
قالوا: ولشدة عظمه عندهم، لم يمتثلوا أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم بفسخ الحج في العمرة أولًا، حتى غضب عليهم بسبب ذلك. وبذلك كله يتضح لك أنما كان مستحكمًا في نفوسهم، من أن العمرة في أشهر الحج، من أفجر الفجور في الأرض، لم يزل بالكلية إلى صبح رابعة ذي الحجة سنة عشر.
قالوا: وبه تعلم أن بيان جواز ذلك في حجة الوداع بعمل كل الصحابة الذين لم يسوقوا هديا لأمر النَّبي صلى الله عليه وسلم، واعتماره هو مع حجته، أعني قرأنه بينهما أمر محتاج إليه جدًّا للبيان المذكور.
ومما يدل من الأحاديث الصحيحة على أن ما كان في نفوسهم من ذلك لم ينزل بالكلية: ما ثبت في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه بلفظ «وأن النَّبي صلى الله عليه وسلم أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة يطوفوا بالبيت ثم يقصروا ويحلوا إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منًى وذكر أحدنا يقطر؟ فبلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت» الحديث. هذا لفظ البخاري رحمه الله، فقولهم في هذا الحديث الصحيح بعد أن أمرهم صلى الله عليه وسلم، أن يحلوا ننطلق إلى منًى، وذكر أحدنا يقطر: يدل على شدة نفرتهم من الإحلال بعمرة في زمن الحج كما ترى. وذلك يؤكد الاحتياج إلى تأكيد بيان الجواز. وهذا الحديث الصحيح يدفع الاحتمال الذي في حديث ابن عباس المتقدم: لأن قوله «فتعاظم ذلك عندهم» يحتمل أن يكون موجب التعاظم، أنهم كانوا أولًا محرمين بحج، ويدل لهذا الاحتمال حديث جابر الثابت في الصحيح: أنه حج مع النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه، وقد أهلوا بالحج مفردًا، فقال لهم: «أحلوا من إحرامكم بطواف البيت» الحديث. وفيه فقالوا: كيف نجعلها متعة، وقد سمينا الحج إلى آخر الحديث، فهذا الحديث يدل على أنهم إنما صعب عليهم الإحلال بالعمرة، لأنهم قد سموا الحج، لا لأن ما كان في نفوسهم من أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، لم يزل باقيًّا إلى ذلك الوقت، لأن حديث جابر المذكور، أعني قوله: فقالوا ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، لا يحتمل هذا الاحتمال، بل معناه: أن تعاظم الإحلال بعمرة عندهم، لأنه في وقت الحج كما بينا، وهو يدل على أن ذلك هو المراد من هذا الحديث الأخير، وأنه ليس المراد الاحتمال المذكور، كما جزم به ابن حجر في الفتح في كلامه على الحديث الذي ذكرناه عنه آنفًا.
ويبين أيضًا: أن ذلك هو معنى حديث جابر عند مسلم، حيث قال رحمه الله في صحيحه: حدثنا ابن نمير، حدثني أبي، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم فما ندري أشيء بلغه من السماء، أم شيء من قبل الناس؟ فقال: «أيها الناس أحلوا فلولا أن معي الهدي فعلت كما فعلتم» الحديث.
فقول جابر رضي الله عنه في هذا الحديث الصحيح: فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، يدل على أن ما كان في نفوسهم من كراهة العمرة في أشهر الحج، لم يزل ولولا ذلك لما كبر عليهم، ولا ضاقت صدورهم بالإحلال بعمرة في أشهر الحج، كما أوضحه حديثه المذكور أيضًا. وعلى هذا الذي ذكروه، فالذي استدبره من أمره، ولو استقبله لم يسق الهدي: هو ملاحظة البيان المذكور، وإن كان قد بين ذلك سابقًا لاحتياجه إلى تأكيد الباين في مثل ذلك الجمع، وهو مودع، ولا ينافي ذلك أنه أمر القارنين بالفسخ المذكور مع أن العمرة المقرونة مع الحج فيها البيان المذكور، لأن العمرة المفردة عن الحج أبلغ في البيان، لأنها ليست مع الحج، فهي مستقلة عنه فلا يحتمل أنها إنما جازت تبعًا له. وقد أوضحنا في هذا الكلام حجة من قال من أهل العلم: بتفضيل الإفراد على غيره، من أنواع النسك، وجوابهم عما جاء من الأحاديث دالًا على أفضلية القران أو التمتع، ووجه جمعهم بين الأحاديث الصحيحة التي ظاهرها الاختلاف في حجة النَّبي صلى الله عليه وسلم.
المسألة الرابعة:
ذهب جماعة من أهل العلم، إلى أن القران هو أفضل أنواع النسك، وممن قال بهذا: أبو حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوري، وإسحاق بن راهويه، والمزني، وابن المنذر، وأبو إسحاق المروزي، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب، واحتج أهل هذا القول بأحاديث كثيرة، دالة على أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا في حجته.
منها: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحجّ» الحديث أخرجاه بهذا اللفظ.
ومنها: ما أخرجه الشيخان متصلًا بحديث ابن عمر هذا من طريق عروة بن الزبير، عن عائشة: أنها أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث ابن عمر المذكور سواء.
ومنها: ما رواه مسلم والبخاري في صحيحيهما، من حديث قتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر «أنه قرن الحج إلى العمرة، وطاف لهما طوافًا واحدًا. ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ومنها: ما رواه الشيخان، عن عمران بن حصين الخزاعي رضي الله عنهما، قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله، يعني متعة الحج، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم تنزل آية ننسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء الحديث، هكذا لفظ مسلم في صحيحه في بعض رواياته لهذا الحديث، ولفظ البخاري قريب منه بمعناه في التفسير، وفي الحج.
ومراد عمران بن حصين رضي الله عنهما بالتمتع المذكور: القران بدليل الروايات الصحيحة الثابتة في صحيح مسلم، وغيره المصرحة بذلك.
قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: وحدثني عبد الله بن معاذٍ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن حميْد بن هِلاَلٍ، عن مطرفٍ قال: قال لي عِمْرَانُ بن حصين: أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعُمرة، ثم لم ينه عنه، حتى مات، ولم ينزل فيه قران بحرمة، وقد كان يسلم على حتى اكتَوَيْتُ فتركتُ، ثم تركتُ الكي فعادَ.
حدثناه محمد بن المثنَّى وابن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شُعبةً، عن حميد بن هِلاَلٍ، قال: سمعت مطرفًا قال: قال لي عِمْران بن حصين: بمثل حديث معاذ.
وحدثنا محمدْ بن المثنَّى وابن بشار. قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن قتادة، عن مطرَف: قال: بعث إلى عمران بن حصين في مَرضِهِ الذي توفى فيه، فقال: إنني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي، فإن عشت فاكتم عني، وإن مت فحدث بها إن شئت إنه قد سلم علي، واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعُمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب الله، ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل برأيه ما شاء.
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عِيسى بن يونس، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع بين حج وعمرة، ثم لم ينزل فيها كتاب، ولم ينهنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فيها رجل برأيه ما شاء. انتهى منه.
وهذه الروايات تبين أن مراده بالتمتع: القران، ومعروف عن الصحابة رضي الله عنهم، أنهم يطلقون اسم التمتع على القران، لأن فيه عمرة في أشهر الحج مع الحج.
ومنها: ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة» ففي بعض روايات حديثه، قال «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما» الحديث، هذا لفظ البخاري في صحيحه، وقد قدمنا بعض ألفاظ مسلم في حديث أنس في القرآن، ومخالفة ابن عمر له في ذلك، قائلًا: إنه أفرد، وفي بعض روايات حديث أنس عند مسلم عن يحيى بن أبي إسحاق، وعبدالعزيز بن صهيب، وحيمد، أنهم سمعوا أنسًا رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهل بهما جميعًا «لبيك عُمرة وحجًّا، لبَّيك عُمرة وحجًّا»، وقد روي عن أنس رضي الله عنه حديث قران النَّبي هذا ستة عشر رجلًا، كما بينه العلامة ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، وهم الحسن البصري وأبو قلابة، وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويل، وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري، وثابت البناني، وبكر بن عبد الله المزني، وعبدالعزيز بن صهيب، وسليمان التيمي، ويحيى بن أبي إسحاق، وزيد بن أسلم، ومصعب بن سليم، وأبو أسماء وأبو قدامة عاصم بن حسين، وأبو قزعة، وهو سويد بن حجر الباهلي.